كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بآياتنا} يعني اليد والعصا وسائر معجزاته. {أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظلمات إِلَى النور} بمعنى أي أخرج لأن في الإرسال معنى القول، أو بأن أخرج فإن صيغ الأفعال سواء في الدلالة على المصدر فيصح أن توصل بها أن الناصبة. {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله} بوقائعه التي وقعت على الأمم الدارجة وأيام العرب حروبها. وقيل بنعمائه وبلائه. {إِنَّ في ذلك لآيات لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} يصبر على بلائه ويشكر على نعمائه، فإنه إذا سمع بما أنزل على من قبل من البلاء وأفيض عليهم من النعماء اعتبر وتنبه لما يجب عليه من الصبر والشكر. وقيل المراد لكل مؤمن وإنما عبر عنه بذلك تنبيهًا على أن الصبر والشكر عنوان المؤمن.
{وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ} أي اذكروا نعمته عليكم وقت إنجائه إياكم، ويجوز أن ينتصب ب {عَلَيْكُمْ} إن جعلت مستقرة غير صلة للنعمة، وذلك إذا أريد به العطية دون الأنعام، ويجوز أن يكون بدلًا من {نِعْمَةَ اللهِ} بدل الاشتمال. {يَسُومُونَكُمْ سُوء العذاب وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} أحوال من آل فرعون، أو من ضمير المخاطبين والمراد بالعذاب ها هنا غير المراد به في سورة البقرة والأعراف لأنه مفسر بالتذبيح والقتل ثمة ومعطوف عليه التذبيح ها هنا، وهو إما جنس العذاب أو استعبادهم أو استعمالهم بالأعمال الشاقة. {وَفِى ذلكم} من حيث إنه بإقدار الله إياهم وإمهالهم فيه. {بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} ابتلاء منه، ويجوز أن تكون الإشارة إلى الانجاء والمراد بالبلاء النعمة.
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} أيضًا من كلام موسى صلى الله عليه وسلم، و{تَأَذَّنَ} بمعنى آذن كتوعد وأوعد غير أنه أبلغ لما في التفعل من معنى التكلف والمبالغة. {لَئِنْ شَكَرْتُمْ} يا بني إسرائيل ما أنعمت عليكم من الانجاء وغيره بالإِيمان والعمل الصالح. {لأَزِيدَنَّكُمْ} نعمة إلى نعمة. {وَلَئِن كَفَرْتُمْ} ما أنعمت عليكم. {إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيد} فلعلي أعذبكم على الكفران عذابًا شديدًا ومن عادة أكرم الأكرمين أن يصرح بالوعد ويعرض بالوعيد، والجملة مقول قول مقدر أو مفعول {تَأَذَّنَ} على أنه جار مجرى قَالَ لأنه ضرب منه.
{وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن في الأرض جَمِيعًا} من الثقلين. {فَإِنَّ الله لَغَنِىٌّ} عن شكركم. {حَمِيدٌ} مستحق للحمد في ذاته، محمود تحمده الملائكة وتنطق بنعمته ذرات المخلوقات، فما ضررتم بالكفر إلا أنفسكم حيث حرمتموها مزيد الأنعام وعرضتموها للعذاب الشديد.
{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ} من كلام موسى عليه الصلاة والسلام أو كلام مبتدأ من الله. {والذين مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله} جملة وقعت اعتراضًا، أو الذين من بعدهم عطف على ما قبله ولا يعلمهم اعتراض، والمعنى أنهم لكثرتهم لا يعلم عددهم إلا الله، ولذلك قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه كذب النسابون. {جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالبينات فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ في أَفْوَاهِهِمْ} فعضوها غيظًا مما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام كقوله تعالى: {عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأنامل مِنَ الغيظ} أو وضعوها عليها تعجبًا منه أو استهزاء عليه كمن غلبه الضحك، أو إسكاتًا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأمرًا لهم باطباق الأفواه، أو أشاروا بها إلى ألسنتهم وما نطقت به من قولهم: {إِنَّا كَفَرْنَا} تنبيهًا على أن لا جواب لهم سواه أو ردوها في أفواه الأنبياء يمنعونهم من التكلم، وعلى هذا يحتمل أن يكون تمثيلًا.
وقيل الأيدي بمعنى الأيادي أي ردوا أيادي الأنبياء التي هي مواعظهم وما أوحى إليهم من الحكم والشرائع في أفواههم، لأنهم إذا كذبوها ولم يقبلوها فكأنهم ردوها إلى حيث جاءت منه. {وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ} على زعمكم. {وَإِنَّا لَفِى شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ} من الإِيمان وقرئ {تدعونا} بالادغام. {مُرِيبٍ} موقع في الريبة أو ذي ريبة وهي قلق النفس وأن لا تطمئن إلى الشي.
{قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى الله شَكٌّ} أدخلت همزة الإنكار على الظرف لأن الكلام في المشكوك فيه لا في الشك. أي إنما ندعوكم إلى الله وهو لا يحتمل الشك لكثرة الأدلة وظهور دلالتها عليه. وأشاروا إلى ذلك بقولهم: {فَاطِرِ السموات والأرض} وهو صفة أو بدل، و{شَكٌّ} مرتفع بالظرف. {يَدْعُوكُمْ} إلى الإِيمان ببعثه إيانا. {لِيَغْفِرَ لَكُمْ} أو يدعوكم إلى المغفرة كقولك: دعوته لينصرني، على إقامة المفعول له مقام المفعول به. {مِّن ذُنُوبِكُمْ} بعض ذنوبكم وهو ما بينكم وبينه تعالى، فإن الإسلام يجبه دون المظالم، وقيل جيء بمن في خطاب الكفرة دون المؤمنين في جميع القرآن تفرقة بين الخطابين، ولعل المعنى فيه أن المغفرة حيث جاءت في خطاب الكفار مرتبة على الإِيمان وحيث جاءت في خطاب المؤمنين مشفوعة بالطاعة والتجنب عن المعاصي ونحو ذلك فتتناول الخروج عن المظالم. {وَيُؤَخِّرَكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إلى وقت سماه الله تعالى وجعله آخر أعماركم. {قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا} لا فضل لكم علينا فلم تخصون بالنبوة دوننا ولو شاء الله أن يبعث إلى البشر رسلًا لبعث من جنس أفضل. {تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا} بهذه الدعوى. {فَأْتُونَا بسلطان مُّبِينٍ} يدل على فضلكم واستحقاقكم لهذه المزية، أو على صحة ادعائكم النبوة كأنهم لم يعتبروا ما جاءوا به من البينات والحجج واقترحوا عليهم آية أخرى تعنتًا ولجاجًا.
{قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ولكن الله يَمُنُّ على مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} سلموا مشاركتهم في الجنس وجعلوا الموجب لاختصاصهم بالنبوة فضل الله ومنه عليهم، وفيه دليل على أن النبوة عطائية وأن ترجيح بعض الجائزات على بعض بمشيئة الله تعالى. {وَمَا كَانَ لَنَا نَّأْتِيَكُمْ بسلطان إِلاَّ بِإِذْنِ الله} أي ليس إلينا الإِتيان بالآيات ولا تستبد به استطاعتنا حتى نأتي بما اقترحتموه، وإنما هو أمر يتعلق بمشيئة الله تعالى فيخص كل نبي بنوع من الآيات. {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون} فلنتوكل عليه في الصبر على معاندتكم ومعاداتكم، عمموا الأمر للاشعار بما يوجب التوكل وقصدوا به أنفسهم قصدًا أوليًا ألا ترى قوله تعالى: {وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى الله} أي: أي عذر لنا في أن لا نتوكل عليه. {وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} التي بها نعرفه ونعلم أن الأمور كلها بيده. وقرأ أبو عمرو بالتخفيف هاهنا وفي العنكبوت. {وَلَنَصْبِرَنَّ على مَا آذَيْتُمُونَا} جواب قسم محذوف أكدوا به توكلهم وعدم مبالاتهم بما يجري من الكفار عليهم. {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون} فليثبت المتوكلون على ما استحدثوه من توكلهم المسبب عن إيمانهم.
{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ في مِلَّتِنَا} حلفوا على أن يكون أحد الأمرين، إما إخراجهم للرسل أو عودهم إلى ملتهم، وهو بمعنى الصيرورة لأنهم لم يكونوا على ملتهم قط، ويجوز أن يكون الخطاب لكل رسول ومن آمن معه فغلبوا الجماعة على الواحد. {فأوحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ} أي إلى رسلهم. {لَنُهْلِكَنَّ الظالمين} على إضمار القول، أو إجراء الايحاء مجراه لأنه نوع منه.
{وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرض مِن بَعْدِهِمْ} أي أرضهم وديارهم كقوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مشارق الأرض ومغاربها} وقرئ {ليهلكن} {وليسكننكم} بالياء اعتبارًا لأوحى كقولك: أقسم زيد ليخرجن. {ذلك} إشارة إلى الموحى به وهو إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين. {لِمَنْ خَافَ مَقَامِى} موقفي وهو الموقف الذي يقيم فيه العباد للحكومة يوم القيامة، أو قيامي عليه وحفظي لا عمله وقيل المقام مقحم. {وَخَافَ وَعِيدِ} أي وعيدي بالعذاب أو عذابي الموعود للكفار.
{واستفتحوا} سألوا من الله الفتح على أعدائهم، أو القضاء بينهم وبين أعدائهم من الفتاحة كقولِه: {رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق} وهو معطوف على {فأوحى} والضمير للأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وقيل للكفرة وقيل للفريقين. فإن كلهم سألوه أن ينصر المحق ويهلك المبطل. وقرئ بلفظ الأمر عطفًا على {ليهلكن}. {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} أي ففتح لهم فأفلح المؤمنون وخاب كل جبار عات متكبر على الله معاند للحق فلم يفلح، ومعنى الخيبة إذا كان الاستفتاح من الكفرة أو من القبيلين كان أوقع.
{مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ} أي من بين يديه فإنه مرصد بها واقف على شفيرها في الدنيا مبعوث إليها في الآخرة. وقيل من وراء حياته وحقيقته ما توارى عنك. {ويسقى مِن مَّاء} عطف على محذوف تقديره من ورائه جهنم يلقى فيها ما يلقى {ويسقى مِن مَّاء}. {صَدِيدٍ} عطف بيان ل {مَاء} وهو ما يسيل من جلود أهل النار.
{يَتَجَرَّعُهُ} يتكلف جرعه وهو صفة لماء، أو حال من الضمير في {يسقى} {وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ} ولا يقارب أن يسيغه فكيف يسيغه بل يغص به فيطول عذابه، والسوغ جواز الشراب على الحلق بسهولة وقبول نفس. {وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلِّ مَكَانٍ} أي أسبابه من الشدائد فتحيط به من جميع الجهات. وقيل من كل مكان من جسده حتى من أصول شعره وإبهام رجله. {وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} فيستريح. {وَمِن وَرَائِهِ} ومن بين يديه. {عَذَابٌ غَلِيظٌ} أي يستقبل في كل وقت عذابًا أشد مما هو عليه. وقيل هو الخلود في النار. وقيل حبس الأنفاس. وقيل الآية منقطعة عن قصة الرسل نازلة في أهل مكة طلبوا الفتح الذي هو المطر في سنيهم التي أرسل الله تعالى عليهم بدعوة رسوله، فخيب رجاءهم فلم يسقهم ووعد لهم أن يسقيهم في جهنم بدل سقياهم صديد أهل النار.
{مَّثَلُ الذين كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ} مبتدأ خبره محذوف أي فيما يتلى عليكم صفتهم التي هي مثل في الغرابة، أو قوله: {أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ} وهو على الأول جملة مستأنفة لبيان مثلهم. وقيل {أعمالهم} بدل من ال {مَثَلُ} والخبر {كَرَمَادٍ}. {اشتدت بِهِ الريح} حملته وأسرعت الذهاب به وقرأ نافع {الرياح}. {فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} العصف اشتداد الريح وصف به زمانه للمبالغة كقولهم: نهاره صائم وليله قائم، شبه صنائعهم من الصدقة وصلة الرحم وإغاثة الملهوف وعتق الرقاب ونحو ذلك من مكارمهم في حبوطها وذهابها هباء منثورًا، لبنائها على غير أساس من معرفة الله تعالى والتوجه بها إليه، أو أعمالهم للأصنام برماد طيرته الريح العاصف. {لاَّ يَقْدِرُونَ} يوم القيامة. {مِمَّا كَسَبُواْ} من أعمالهم. {على شَىْءٍ} لحبوطه فلا يرون له أثرًا من الثواب وهو فذلكة التمثيل. {ذلك} إشارة إلى ضلالهم مع حسبانهم أنهم محسنون. {هُوَ الضلال البعيد} فإنه الغاية في البعد عن طريق الحق.
{أَلَمْ تَرَ} خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد به أمته. وقيل لكل واحد من الكفرة على التلوين. {أَنَّ الله خَلَقَ السموات والأرض بالحق} والحكمة والوجه الذي يحق أن تخلق عليه، وقرأ حمزة والكسائي {خالق السموات}. {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} يعدمكم ويخلق خلقًا آخر مكانكم، رتب ذلك على كونه خالقًا للسموات والأرض استدلالًا به عليه، فإن من خلق أصولهم وما يتوقف عليه تخليقهم ثم كونهم بتبديل الصور وتغيير الطبائع قدر أن يبدلهم بخلق آخر ولم يمتنع عليه ذلك كما قال: {وَمَا ذلك عَلَى الله بِعَزِيزٍ} بمتعذر أو متعسر فإنه قادر لذاته لا اختصاص له بمقدور دون مقدور، ومن كان هذا شأنه كان حقيقًا بأن يؤمن به ويعبد رجاء لثوابه وخوفًا من عقابه يوم الجزاء.
{وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا} أي يبرزون من قبورهم يوم القيامة لأمر الله تعالى ومحاسبته، أو {لِلَّهِ} على ظنهم فإنهم كانوا يخفون ارتكاب الفواحش ويظنون أنها تخفى على الله تعالى، فإذا كان يوم القيامة انكشفوا لله تعالى عند أنفسهم، وإنما ذكر بلفظ الماضي لتحقق وقوعه. {فَقَالَ الضعفاء} الأتباع جمع ضعيف يريد به ضعاف الرأي، وإنما كتبت بالواو على لفظ من يفخم الألف قبل الهمزة فيميلها إلى الواو. {لِلَّذِينَ استكبروا} لرؤوسائهم الذين استتبعوهم واستغووهم. {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} في تكذيب الرسل والاعراض عن نصائحهم، وهو جمع تابع كغائب وغيب، أو مصدر نعت به للمبالغة أو على إضمار مضاف. {فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا} دافعون عنا. {مِنْ عَذَابِ الله مِنْ شَىْءٍ} من الأولى للبيان واقعة موقع الحال، والثانية للتبعيض واقعة موقع المفعول أي بعض الشيء الذي هو عذاب الله، ويجوز أن تكونا للتبعيض أي بعض شيء هو بعض عذاب الله، والإِعراب ما سبق ويحتمل أن تكون الأولى مفعولًا والثانية مصدرًا، أي فهل أنتم مغنون بعض العذاب بعض الإِغناء. {قَالُواْ} أي الذين استكبروا جوابًا عن معاتبة الأتباع واعتذارًا عما فعلوا بهم. {لَوْ هَدَانَا الله} للإيمان ووفقنا له. {لَهَدَيْنَاكُمْ} ولكن ضللنا فأضللناكم أي اخترنا لكم ما اخترناه لأنفسنا، أو لو هدانا الله طريق النجاة من العذاب لهديناكم وأغنيناه عنكم كما عرضناكم له، لكن سد دوننا طريق الخلاص. {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا} مستويان علينا الجزع والصبر. {مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ} منجى ومهرب من العذاب، من الحيص وهو العدل على جهة الفرار، وهو يحتمل أن يكون مكانًا كالمبيت ومصدرًا كالمغيب، ويجوز أن يكون قوله: {سَوَاء عَلَيْنَا} من كلام الفريقين ويؤيده ما روي أنهم يقولون: تعالوا نجزع فيجزعون خمسمائة عام فلا ينفعهم، فيقولون تعالوا نصبر فيصبرون كذلك ثم يقولون {سَوَاء عَلَيْنَا}.
{وَقَالَ الشيطان لَمَّا قُضِىَ الأمر} أحكم وفرغ منه ودخل أهل الجنة الجنّة وأهل النار النار خطيبًا في الأشقياء من الثقلين. {إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق} وعدًا من حقه أن ينجزه أو وعدًا أنجزه وهو الوعد بالبعث والجزاء. {وَوَعَدتُّكُمْ} وعد الباطل وهو أن ألا بعث ولا حساب وإن كانا فالأصنام تشفع لكم. {فَأَخْلَفْتُكُمْ} جعل تبين خلف وعده كالاخلاف منه. {وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّنْ سلطان} تسلط فألجئكم إلى الكفر والمعاصي. {إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ} إلا دعائي إياكم إليها بتسويلي وهو ليس من جنس السلطان ولكنه على طريقة قولهم:
تحية بينهم ضرب وجيع

ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعًا. {فاستجبتم لِى} أسرعتم إجابتي. {فَلاَ تَلُومُونِى} بوسوستي فإن من صرح العداوة لا يلام بأمثال ذلك. {وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ} حيث أطعتموني إذ دعوتكم ولم تطيعوا ربكم لما دعاكم، واحتجت المعتزلة بأمثال ذلك على استقلال العبد بأفعاله وليس فيها ما يدل عليه، إذ يكفي لصحتها أن يكون لقدرة العبد مدخل ما في فعله وهو الكسب الذي يقوله أصحابنا. {مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ} بمغيثكم من العذاب. {وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِىَّ} بمغيثي وقرأ حمزة بكسر الياء على الأصل في التقاء الساكنين، وهو أصل مرفوض في مثله لما فيه. من اجتماع ياءين وثلاث كسرات مع أن حركة ياء الإضافة الفتح، فإذا لم تكسر وقبلها ألف فبالحري أن لا تكسر وقبلها ياء، أو على لغة من يزيد ياء على ياء الإضافة إجراء لها مجرى الهاء والكاف في: ضربته، وأعطيتكه، وحذف الياء اكتفاء بالكسرة. {إِنِّى كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ} {ما} إما مصدرية و{مِنْ} متعلقة بأشركتموني أي كفرت اليوم بإشراككم إياي من قبل هذا اليوم أي في الدنيا بمعنى تبرأت منه واستنكرته كقوله: {وَيَوْمَ القيامة يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} أو موصولة بمعنى من نحو ما في قولهم: سبحان ما سخركن لنا، و{مِنْ} متعلقة ب {كَفَرْتُ} أي كفرت بالذي أشركتمونيه وهو الله تعالى بطاعتكم إياي فيما دعوتكم إليه من عبادة الأصنام وغيرها من قبل إشراككم، حين رددت أمره بالسجود لآدم عليه الصلاة والسلام وأشرك منقول من شركت زيدًا للتعدية إلى مفعول ثان. {إِنَّ الظالمين لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} تتمة كلامه أو ابتداء كلام من الله تعالى وفي حكاية أمثال ذلك لطف للسامعين وإيقاظ لهم حتى يحاسبوا أنفسهم ويتدبروا عواقبهم.
{وَأُدْخِلَ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} بإذن الله تعالى وأمره والمدخلون هم الملائكة. وقرئ {وَأُدْخِلَ} على التكلم فيكون قوله: {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} متعلقًا بقوله: {تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سلام} أي تحييهم الملائكة فيها بالسلام بإذن ربهم.
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ الله مَثَلًا} كيف اعتمده ووضعه. {كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ} أي جعل كلمة طيبة كشجرة طيبة، وهو تفسير لقوله: {ضَرَبَ الله مَثَلًا}، ويجوز أن تكون {كَلِمَةَ} بدلًا من {مَثَلًا} و{كَشَجَرَةٍ} صفتها أو خبر مبتدأ محذوف أي هي {كَشَجَرَةٍ}، وأن تكون أول مفعولي ضرب إجراء له مجرى جعل وقد قرئت بالرفع على الابتداء. {أَصْلُهَا ثَابِتٌ} في الأرض ضارب بعروقه فيها. {وَفَرْعُهَا} وأعلاها. {فِى السماء} ويجوز أن يريد وفروعها أي أفنائها على الاكتفاء بلفظ الجنس لاكتسابه الاستغراق من الإضافة. وقرئ {ثابت أصلها} والأول على أصله ولذلك قيل إنه أقوى ولعل الثاني أبلغ.
{تُؤْتِى أُكُلَهَا} تعطي ثمرها. {كُلَّ حِينٍ} وقته الله تعالى لإِثمارها. {بِإِذْنِ رَبِّهَا} بإرادة خالقها وتكوينه. {وَيَضْرِبُ الله الأمثال لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} لأن في ضربها زيادة إفهام وتذكير، فإنه تصوير للمعاني وإدناء لها من الحس.
{وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} كمثل شجرة خبيثة {اجتثت} استؤصلت وأخذت جثتها بالكلية. {مِن فَوْقِ الأرض} لأن عروقها قريبة منه. {مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} استقرار. واختلف في الكلمة والشجرة ففسرت الكلمة الطيبة: بكلمة التوحيد ودعوة الإسلام والقرآن، والكلمة الخبيثة بالشرك بالله تعالى والدعاء إلى الكفر وتكذيب الحق، ولعل المراد بهما ما يعم ذلك فالكلمة الطيبة ما أعرب عن حق أو دعا إلى صلاح، والكلمة الخبيثة ما كان على خلاف ذلك وفسرت الشجرة الطيبة بالنخلة. وروي ذلك مرفوعًا وبشجرة في الجنة، والخبيثة بالحنظلة والكشوث، ولعل المراد بهما أيضًا ما يعم ذلك. {يُثَبِّتُ الله الذين ءامَنُواْ بالقول الثابت} الذي ثبت بالحجة عندهم وتمكن في قلوبهم {فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فلا يزالون إذا فتنوا في دينهم كزكريا ويحيى عليهما السلام وجرجيس وشمعون والذين فتنهم أصحاب الأخدود. {وَفِي الآخرة} فلا يتلعثمون إذا سئلوا عن معتقدهم في الموقف، ولا تدهشهم أهوال يوم القيامة. وروي أنه صلى الله عليه وسلم ذكر قبض روح المؤمن فقال: «ثم تعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه في قبره ويقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول: ربي الله وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي» فذلك قوله: {يُثَبّتُ الله الذين ءامَنُواْ بالقول الثابت}. {وَيُضِلُّ الله الظالمين} الذين ظلموا أنفسهم بالاقتصار على التقليد فلا يهتدون إلى الحق ولا يثبتون في مواقف الفتن. {وَيَفْعَلُ الله مَا يَشَاءُ} من تثبيت بعض وإضلال آخرين من غير اعتراض عليه. اهـ.